يرتبط «الحوثيون» في اليمن بعلاقة وثيقة مع جمهورية إيران الإسلامية، ولا ينكر أي طرف منهما وجود حالة الود الكبيرة، لكن ذلك يبدو في طريقه إلى الانهيار، عقب تصريحات إيرانية ألمحت إلى نية طهران أن يكون لها قواعد بحرية على السواحل اليمنية.
فقد أعلن رئيس هيئة الأركان العامة المشتركة الإيرانية، اللواء «محمد باقري»، أنه «من المحتمل» أن تصبح لديهم «يوما ما» قاعدة بحرية على سواحل اليمن أو سوريا، أو إيجاد قواعد عائمة وعلى الجزر في المناطق النائية بحسب «الأناضول».
وقال المسؤول الإيراني، في تصريحات نقلتها وكالة «فارس» الإيرانية، الأحد الماضي، «إنه، وبهدف الحضور في البحار البعيدة، والتصدي للقرصنة، يتعّين إيجاد أسطول بحري في المحيط الهندي، على غرار بحر عمان، ومن المحتمل أن تصبح لدينا قاعدة في سوريا أو اليمن يومًا ما».
وفي حديث أثناء اجتماع لقادة البحرية، تساءل «باقري»: «هل امتلاك قواعد بعيدة أقل من التكنولوجيا النووية؟»، قبل أن يجيب بقوله: «إنه أهم بعشرات المرات».
توبيخ نادر لطهران
وعلى غير العادة، استفزت التصريحات الصادرة من طهران، حلفائهم «الحوثيين»، وظهر «صالح الصماد»، الرجل الثاني خلف زعيم جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، «عبد الملك الحوثي»، ليندد بتلك التصريحات، ويهاجم، في توبيخ نادر، الأصدقاء الذين خذلوهم قبل الأعداء، في إشارة إلى الإيرانيين.
وتتهم الحكومة اليمنية والتحالف العربي، بقيادة السعودية، إيران بدعم «الحوثيين» بالسلاح؛ مما جعلهم يستمرون في الحرب لأكثر من 600 يوم، لكن طهران تنفي هذه الاتهامات.
ومنذ الشهور الأولى من الحرب، وقفت إيران سياسيًا في صف «الحوثيين» وحلفائهم من أنصار الرئيس اليمني السابق، «علي عبد الله صالح»، وهاجمت السعودية مرارًا، كما استقبلت العشرات من جرحى الحرب، الذين كان يتم نقلهم من مطار صنعاء إلى مسقط، ومن ثم إلى طهران، كما كرست وسائل إعلامهم للدفاع عن الحوثيين.
وحذر «الصماد»، الذين يصفه «أنصار الحوثي» بـ«الرئيس»، في تصريحات نقلتها وكالة «سبأ» اليمنية الخاضعة لسيطرتهم، «كل من تسول له نفسه اقتراف أي خطيئة بالإقدام على التأسي بدول العدوان (يقصد التحالف العربي) في التواجد في أي شبر، وانتهاك سيادة اليمن، حتى ولو باسم الدفاع عنه».
لم يكتف «الصماد» بذلك، بل قارن بين إيران والسعودية المتصارعتين، وقال إن المياة اليمنية ليست لمن هبّ ودبّ، وإن من يطمح في ذلك «لا فرق بينه وبين من سبقوه (يقصد التحالف العربي) في نظر الشعب اليمني وسيواجه بكل عنفوان».
تصريحات مستغربة
وأثارت تصريحات «الصماد» استغراب مراقبين، بما فيهم موالون للجماعة.
واعتبر الصحفي المقرب من «الحوثيين»، «محمد عايش»، أن «تصريح الصماد متشنج، ويُبدي الأمر كما لو كان الإيرانيين باتوا على سواحل اليمن فعلاً، وشرعوا في تأسيس قاعدة، بينما تصريح المسؤول الإيراني يتحدث عن مجرد تفكير في احتمالات أن يتم إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في اليمن أو سوريا».
«عايش، وهو رئيس تحرير صحيفة «الأولى» (خاصة)، أضاف، أن «كل القوى الدولية ترغب بالتأكيد في أن يكون لها قواعد عسكرية في اليمن، ولكن هناك فرق بين مجرد الرغبة وبين الإقدام على الفعل».
واعتبر أن إيران في هذا السياق «أبعد ما تون عن فعل من هذا النوع، فإذا كانت السعودية و10 دول عربية (في التحالف العربي) مسنودة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا؛ تخوض حربا شرسة منذ قرابة عامين على اليمن لمجرد الاشتباه في وجود سياسي لإيران، فما بالك بوجود عسكري؟».
وبحسب الصحفي اليمني، فإنه «لا ظروف اليمن ولا الظروف الإقليمية والدولية تسمح لإيران بمثل هذا الوجود، ولا تصريح المسؤول الإيراني يسمح بالحديث عن توجه إيراني فعلي باتجاه هذا الأمر».
ويعتقد «عايش» أن «الصماد يبدو أنه أراد استغلال التصريح الإيراني ليبعث رسالة إلى معنيين بالأمر، يعرفهم جيدًا، وهم كما أتوقع الأطراف الدولية التي تدفع الحوثيين باستمرار باتجاه إعلان الخصومة مع إيران كشرط لإيقاف الحرب السعودية عليهم.. وإلا فإن مساواة الصماد بهذا الشكل بين صديقة تياره (إيران) وبين السعودية، التي تشن عليهم حربا شرسة؛ يصبح أمرًا غير مفهوم».
ولم تتوقف الرغبة الإيرانية عند تصريحات رئيس هيئة الأركان، فالمرشد الأعلى، «آية الله على خامنئي»، اعتبر هو الآخر أن «التواجد المقتدر للقوة البحرية في المياه الحرة من شأنه أن يرفع اقتدار البلاد»، داعيًا إلى تكريس التواجد الإيراني في ما اسمها بـ«المياه الحرة».
سبب الشعور بالخذلان
وفيما يرى مراقبون أن البحر بات يهدد العلاقة الوثيقة بين «الحوثيين» وطهران، يعتقد آخرون أن علاقة الطرفين ليست فاترة، وإن بدت كذلك من خلال التصريحات الأخيرة.
فوفقا للكاتب والباحث اليمني في الشؤون الإيرانية، «عدنان هاشم»، فإن «تصريح الصماد هو فقط للاستهلاك الإعلامي.. الصماد غاضب لأن إيران لم تعترف رسميًا بالمجلس السياسي الأعلي (الذي يترأسه الصماد)، رغم ترحيباتها المستمرة بوجوده، ولذلك تحدث عن الخذلان». وأدى أعضاء «حكومة إنقاذ وطني»، شكلها تحالف الحوثي وصالح، اليمين الدستورية أمام «الصماد»، أمس، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، وتنذر بإطالة أمد الصراع الدموي في اليمن.
وبحسب «هاشم»، «تعتبر إيران أن اليمن جزء من حربها مع السعودية، وقاعدة مهمة لمواجهتها؛ لذلك فليست مشكلة أن يأتي رفض الصماد؛ لأن طهران تدير الجماعة (الحوثيين)، وإن ظهرت أن مواقف الجماعة مستقلة».
واعتبر أن العلاقة بين «الحوثيين» وإيران «لم تكن يوما فاترة»، و«على العكس يرجع الفضل لإيران في حصول الحوثيين على قبول غربي ونشاط حقوقي وإنساني داعم للجماعة في الخارج»، على حد تقديره.
الباحث اليمني شدد على أن «الحوثيين جزء من محور إيران للمقاومة، وهذا المحور يخوض معركة واحدة تخدم المصلحة الإيرانية، ولن تكون هناك مشكلة في حال كان الحوثيين مهيمنين على السلطة، وليس في حالة حرب، أن يتفاخروا بالقاعدة الإيرانية على السواحل اليمنية».
علاقات فاترة
وخلال الشهور الأخيرة، شهدت علاقة «الحوثيين» بطهران فتورًا في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمرون بها بعد نقل البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي اليمن)، حيث كان «الحوثيون» يأملون أن تدعم إيران البنك الخاضع لسيطرتهم بوديعة، أسوة بالدعم الذي تقدمه السعودية لحليفها الرئيس «عبد ربه منصور هادي»، أو أن تمدهم طهران بمشتقات نفطية.
وبدعوى معاناتهم من تهميش اقتصادي وإقصاء سياسي، سيطر «مسلحو الحوثي» و«صالح» على العاصمة اليمنية صنعاء، يوم 21 من سبتمبر/ أيلول 2014، ثم محافظات أخرى.
وهو ما رد عليه التحالف عربي، بقيادة السعودية، بإطلاق عملية عسكرية يوم 26 من مارس/ أذار 2015، بناء على طلب الرئيس هادي؛ لـ«دعم السلطة الشرعية في اليمن في مواجهة الانقلاب»، بحسب بيان للتحالف آنذاك.
ولم تفلح 3 جولات من مشاورات السلام بين طرفي الأزمة اليمنية، برعاية منظمة الأمم المتحدة، في جلب السلام إلى البلد العربي، الذي بات 80% من سكانه، البالغ عددهم حوالي 26 مليون نسمة، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني نحو مليون طفل يمني من سوء التغذية.
ونزح قرابة 3 ملايين شخص داخل اليمن، فيما لجأ ما يزيد عن 170 ألف آخرين إلى خارج البلد العربي؛ هربًا من الحرب، التي أودت بحياة أكثر 10 آلاف شخص، وأصابت ما يزيد عن 35 ألف آخرين بجروح، بحسب الأمم المتحدة.